ولد المصطفى ﷺ خاتم النبيين أفضل المرسلين رحمة مهداة للعالمين وبروزه ﷺ اعظم النعم على المسلمين حتى لولاه لما خلق الله العالمين فكيف لا يفرح المؤمن بميلاد هذا النبي الكريم وهذا سطوع الشمس المحمدية في سماء البشرية اشرقت هذه السطوع ٱفاق العالم وأضائت نواحي البلاد وظهرت لها الايات وتباشرت بها الكائنات
ومن العجيب جدا امر بعض الناس يخالفون ما عليه المسلمون قاطبة من اظهار الفرح والسرور لميلاد النبي التقي ﷺ يدعون بانها بدعة مذمومة وهذا مرض لا علاج له
السبب الوحيد لهذا عدم اطلاعهم على ما يعني بها اهل السنة
وما هي مضامين الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم...؟
محبة النبي ﷺ وتعظيمه واظهار الشكر والفرح للنعمة التي منّ الله بها علينا كل من هذه الامور الثلاثة لها دلائل كثيرة في الكتاب والسنة لا داعي الى بيان تفصيلها ولكن على مدى العصور تختلف احوالها واشكالها لان العبادة في الاسلام على نوعين الاول ما ورد الشرع بشكله المختص كالصلاة والصوم والثاني ما لم يرد الشرع بشكله كالمحبة والتعليم وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم تعليم العلوم الدينية فلنا ان نقبل أي صورة ما لا يخالف الشرع مثل ابداع المدارس والكتب وهكذا ذلك الامور الثلاثة تجوز ان تفعل بايّ وجه غير مخالف للشرع وفي هذا المعنى ما اعتاد المسلمون من عمل المولد كما قال الامام القسطلاني :
ولازال أهل الاسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرر ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم
فمخالفة بعض الناس بقولهم بانها بدعة تشير الى عدم معرفتهم بمعنى البدعة وتقسيمها
أقسام البدعة:
قال ابن العربي: ” ليست البدعة والمحدَث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معنييهما، وإنما يذم من البدعة ما يخالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى الضلالة” اهـ.
وقال النووي في كتاب تـهذيب الأسماء واللغات، : البدعة بكسر الباء في الشرع هي: إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وءاله وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، قال الإِمام الشيخ الـمجمع على إمامته وجلالته وتمكّنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمّد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في ءاخر كتاب القواعد: “البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإِيجاب فهي واجبة، أو في قواعدالتحريم فمحرّمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة“. انتهى
فالبدعة تنقسم إلى قسمين:
بدعة سيئة: وهي المحدثة المخالفة للقرءان والسنة.
وبدعة حسنة:وهي المحدثة الموافقة للكتاب والسنة
وهذا التقسيم مفهوم من حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد“. ورواه مسلم بلفظ ءاخر وهو: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد“.فأفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:”ما ليس منه” أن المحدَث إنما يكون ردًّا أي مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، وأن المحدَث الموافق للشريعة ليس مردودًا.وهو مفهوم أيضًا مما رواه مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء “.
وقال الائمة ان عمل المولد بدعة حسنة
فالاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم اشار اليها القران الكريم قال الله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ واورد الامام السيوطي في تفسيره الدر المنثور عن ابن عباس رضي الله عنه فضله العلم ورحمته محمد ﷺ وقد قال الامام برهان الدين الناجي في كتابه كنز الراغبين : وتبركوا بولادته وافرحوا بها فما ولى الترح ولا توالى الفرح إلا بطلعته السعيدة واسمعوا قول ربكم تبارك وتعالى ان كنتم تسمعون قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
وقد ورد في الاحاديث الصحيحة ما يوافق هذا من فضل هذا اليوم مدائح الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم وحثه عليه
اأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ : فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ وقال ابن الحاج في كتابه المدخل فَتَشْرِيفُ هَذَا الْيَوْمِ مُتَضَمِّنٌ لِتَشْرِيفِ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ. فَيَنْبَغِي أَنْ نَحْتَرِمَهُ حَقَّ الِاحْتِرَامِ وَنُفَضِّلَهُ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الْأَشْهُرَ الْفَاضِلَةَ وَهَذَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ ﵊ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» وَلِقَوْلِهِ ﵊ «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» انْتَهَى. وَفَضِيلَةُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ بِمَا خَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيهَا لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْكِنَةَ وَالْأَزْمِنَةَ لَا تَتَشَرَّفُ لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهَا التَّشْرِيفُ بِمَا خُصَّتْ بِهِ مِنْ الْمَعَانِي. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَذَا الشَّهْرَ الشَّرِيفَ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ
وفي سنن الترمذي
كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يَضعُ لحسَّانَ مِنبرًا في المسجدِ يقومُ علَيهِ قائمًا يفاخرُ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أو قالَ : يُنافِحُ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ويقولُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : إنَّ اللَّهَ يؤيِّدُ حسَّانَ برُوحِ القدُسِ ، ما يُفاخرُ ، أو يُنافحُ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ
فمعلوم ان القران الكريم والاحاديث الصحيحة تحث على هذا العمل فضلا على ذلك وكم من علماء صنفوا الكتب لاثبات هذه وكم من علماء اطالوا البحث فيه سأورد اقوال بعض العلماء
ومنهم الامام ابو شامة شيخ النووي
قال في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث ما نصـه:
ومن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور. فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء، مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك، وبشكر الله على النعمة المحمدية
ومنهم الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي قال في فتاويه: ” إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهـر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
ومنهم الامام السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوى إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرءان ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمدّ لهم سماطٌ يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يُثـاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده صلى الله عليه وسلم الشريف
فعلم مما سبق ان الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لها أصل ثابت في الكتاب والسنة وقد اعتاده المسلمون في كل عصر ولا ينكره الا المحرومون