بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علمنا البيان
والصلاه والسلام على من بعث إلى كل انس وجان
وأرسل بكل لسان
وعلى آله الفائزين بقرابة سيد الإنسان
وعلى اصحابه الذين هم كالنجوم في كل زمان
وخطبوا في المنابر بالعربية في جميع البلدان.
وعلى الذين اتبعوهم بإحسان الموعودين بالجنان
أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله معين الدين بن الشيخ علي
هذه رسالة لطيفة تشتمل على أربعة فصول موضوعها خطبة الجمعة. نبين فيها دعوي أهل السنة والجماعة في الخطبة ودلائلهم ، واراء الائمة من المذاهب الأربعة فيها.
ونرد دعوي أهل البدع والضلال ونجيب عن أسئلتهم.....
الفصل الأول:في دعوي أهل السنة في الخطبة
دعوانا "أن قراءة الخطبة بالعربية واجب وبغير العربية حرام. والأئمة متفقون على هذا الأمر له مستند من القرآن والسنة والإجماع والقياس"
الفصل الثاني في بيان اراء الأئمة من المذاهب الأربعة في كون عربية الخطبة.
وعلينا أن نعلم أولا أن الخطبة ليست
بوعظ محض ولها فروض وشرائط وسنن من كون الخطيب ذكرا ومطهرا
وأن يخطب قائما وأن يجلس بين الخطبتين وكونها باللغة العربية..
ولذا قال الامام القليوبي رحمه الله: وأما النساء فالمتجه فيهن أن لا خطبة لأنها ليست من شأنهن نعم ان وعظتهن واحدة فلابأس (حاشية القليوبي 1/305)
مذهب الحنفية
قال الامام شمس الدين السرخي رحمه الله المتوفى ٤٩٠ في كتابه المبسوط (١/٣٧) إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ويكره ، وعندهما لا يجوز إذا كان يحسن العربية ، وإذا كان لا يحسنها يجوز وعند الشافعي رضي الله عنه لا تجوز القراءة بالفارسية بحال ولكنه إن كان لا يحسن العربية ، وهو أمي يصلي بغير قراءة وكذلك الخلاف فيما إذا تشهد بالفارسية أو خطب الإمام يوم الجمعة بالفارسية.انتهى
أقول
استفيد من هذه العبارة أن الخطبة بالعربية شرط عند صاحبي أبي حنيفة رضي الله عنه كما عند الشافعي رضي الله عنه. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إن لم تكن شرطا ولكن الخطبة بالفارسية كراهة بمعنى التحريم إنا حملنا هذه الكراهة على التحريم لقائدة مستقرة عند الحنفية
حيث قال الامام إبن محمد علي ابن زكريا المنبجي الحنفي المتوفى٨(٦٨٦) في كتابه "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب(١/٢٨١) "
و النبي صلى الله عليه وسلم اذا فعل فعلا ودام عليه ولم يقم دلي على عدم وجوبه علينا من قول أو فعل واستقر الأمر عليه في زمانه وزمن من بعده فهو واجب سيما في الصلاة وما يتعلق بها وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي انتهى.
أقول
وهذه القاعدة تقتضي كون الخطبة عربية وجوبا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بالعربية دائماً واستقر الأمر عليه بعده
ومع ذلك الخطبة متعلقة بالصلاة.
وقد صرح ما ذكرته الشيخ عبد الحي رحمه الله في كتابه' عمدة الرعاية شرح الوقاية' (١/٢٠٠)" والمراد بالجواز هو الجواز في حق الصلاة بمعنى أنه يكفي لأداء الشرطية وتصح بها الصلاة لا الجواز بمعنى الإباحة المطلقة فإنه لاشك في أن الخطبة بغير العربية خلاف السنة المتوارثة من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ويكون مكروها تحريما انتهى
أقول
هناك أيضا عبارات الكتب الحنفية التي تدل على وجوب العربية وحرام غير العربية.
منها.. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صلى الجمعة في عمره بغير الخطبة فلو جاز لفعله تعليما للجواز
المبسوط (٢/٢٤)
أقول وكذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب في عمره بغير العربية فلو جاز لفعله تعليما للجواز.
قال الامام العيني رحمه الله "فلو لم تكن (الخطبة)واجبة لتركها النبي صلى الله عليه وسلم مرة تعليما للجواز ( شرح الهدايهة(٣/٦٣)
أقول لولم تكن العربية واجبة للخطبة لتركها النبي صلى الله عليه وسلم مرة تعليما للجواز .
قال الامام العيني رحمه الله:
ولو خطب قائدا أو على غير طهارة جاز لحصول المقصود إلا أنه يكره لمخالفة التوارث (البناية شرح الهداية(٣/٦)
أقول لو كانت الخطبة من غير طهارة مكروها لمخالفة التوارث لكانت بغير العربية مكروها (تحريما) لكونها مخالفة التوارث.
قال الشيخ ابن عابدين رحمه الله:
تتمة: لم يقيد الخطبة بكونها بالعربية
اكتفاء بما قدمه في باب صفة الصلاة من أنها غير شرط ولو مع القدرة على العربية خلافا لهما حيث شرطها إلا عند العجز...(رد المختار ٣/١٩)
أقول هذه العبارة تصرح أن العربية في الخطبة شرط عند صاحبي أبي حنيفة رضي الله عنه وعنده ليست بشرط ولكن واجب وترك العربية كراهة تحريما كما بينته قبل.
واستعمال لفظ الكراهة بمعنى التحريم مشهور في أقوال الأئمة الحنفية.
قال الامام العيني رحمه الله
قوله قال ويكره لهن حضور الجامعات قلت والمراد من الكراهة التحريم "
(البناية شرح البداية (٢/٤٢)
مذهب المالكية
قال الامام أحمد الدرديري رحمه الله:
وبقي شرطان أن يهجر بهما وأن يكونا بالعربية ولو لأعجمين (أقرب المسالك الى مذهب الإمام مالك (١/١٦٧)
قال الامام الصاوي رحمه الله:
قوله وأن يكونا.. فلو كان ليس فيهم من يحسن الإتيان بالخطبة لم يلزمهم جمعة(بلغة السالك لأقرب المسالك)
قال الشيخ العدوي رحمه الله:
ووقوعها بغير اللغة العربية لغو
فإن لم يكن في الجماعة من يعرف العربية والخطيب يعرفها وجبت أيضا فإن لم يعرف الخطيب عربية لم تجب (الحسن لرسالة ابن أبي زيد (١/٣٣١)
قال الشيخ السيد عثمان المالكي رحمه الله: الرابع من شروط الخطبة أن يكونا باللغة العربية ويجهر بهما ولو لأعجميين فلو كان الخطيب أعجميا مثلهم لايحسن شيئامن العربية أصلا سقطت عنهم الجمعة (أسهل المسالك شرح سراج السالك 1/152)
قال الشيخ مختار ابن محمد المالكي رحمه الله:
أن من شروطها كونها عربية (التاج الأغر ١/٣١٠)
مذهب الشافعية
قال الامام العمراني رحمه الله:
ويشترط ان يأتي بالخطبة بالعربية لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يخطبون بالعربية وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي (البيان (٢/٥٧٣)
قال الامام تقي الدين الحصني رحمه الله: وهل يشترط كونها عربية الصحيح نعم لنقل الخلف عن السلف ذلك وقيل لا يحب ( لا يعتبر) لحصول المعنى فعلى الصحيح لولم يكن فيهم من يحسن العربية جاز بغيرها. (كفاية الاخيار ١/٢٨٨)
وقال الإمام النووي رحمه الله:
وهل يشترط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان الصحيح اشتراطه فإ لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويحب ان يتعلم كل واحد منهم الخطبة العربية كالعاجز عن التكبير بالعربية فإن مضت مدةامكان التعلم ولم يتعلموا عصوا كلهم ولا جمعة لهم ( روضة الطالبين وعمدة المفتين ٢/٢٦)
قال الامام النووي رحمه الله:
( فرع ) هل يشترط كون الخطبة بالعربية ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) : وبه قطع الجمهور : يشترط ; لأنه ذكر مفروض فشرط فيه العربية كالتشهد وتكبيرة الإحرام مع قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } وكان يخطب بالعربية ( والثاني ) : فيه وجهان حكاهما جماعة منهم المتولي ، أحدهما هذا ، والثاني : مستحب ولا يشترط ; لأن المقصود الوعظ وهو حاصل بكل اللغات ، قال أصحابنا : فإذا قلنا بالاشتراط ، فلم يكن فيهم من يحسن العربية جاز أن يخطب بلسانه مدة التعلم ، وكذا إن تعلم واحد منهم التكبير بالعربية ، فإن مضى زمن التعلم ولم يتعلم أحد منهم عصوا بذلك ، ويصلون الظهر أربعا ، ولا تنعقد لهم جمعة
.(شرح المهذب 4/522)
ويشترط كونها عربية كما جرى عليه الناس (محلي2/278)
ويشترط كونها عربية لاتباع السلف والخلف (نهاية 2/317)
قال الامام أحمد بن حجر الههيتمي رحمه الله:
وكونهما بالعربية وان كان الكل أعجميين لاتباع السلف والخلف فان أمكن تعلمهما بها خوطب به جميع أهل البلد على الكفاية وان زادو على الأربعين فان لم يفعلوا عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر
( المنهاج القويم 249)
مذهب الحنابلة
قال الإمام الشيخ شرف الدين موسى الحجاوي رحمه الله:
ولا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة (الإقناع ١/١٩٤)
قال الامام منصور بن يونس البهوتي:
ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة (الروض المربع شرح زاد المستنقع ١/٨٥)
ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة
( نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب ١/٢٣٣)
قال الشيخ المصطفى السيوطي رحمه الله:
ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة
'مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى(١/٧٧٢)
الفصل الثالث في بيان الأدلة الأربعة لوجوب كون الخطبة عربية
القرآن
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا(النساء ١١٥)
وهذه الآية صريح في ان إتباع غير سبيل المؤمنين أمر موصل إلى جهنم.
وظاهر ان الأمر الموصل لجهنم يكون حراما على الأقل.
فاتباع سبيل المؤمنين واجب لأن ترك الحرام واجب.
وقد قال الامام الرازي رحمه الله في تفسيره(١١/٤٣) وتقرير الاستدلال أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام ، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا..... وإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتباع سبيلهم واجبا ، وذلك لأن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين ، فإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراما لزم أن يكون عدم اتباع سبيل المؤمنين حراما ، وإذا كان عدم اتباعهم حراما كان اتباعهم واجبا ، لأنه لا خروج عن طرفي النقيض .
انتهى
ومعلوم ومشهور ومسلم عند الكل حتى عند أهل الضلالة ومدعي الترجمة أن سبيل المؤمنين سلفا وخلفا أن يخطبوا بالعربية ولم يقرؤوا الخطبة بغير العربية ابدا.
دليل ان خطبة المؤمنين سلفا وخلفا كانت عربية
ويشترط كونها عربية لاتباع السلف والخلف.(نهاية ٢/٣١٧)
,محلي (٢/٢٧٨), بجيرمي(١/٣٨٩),
جمل (٢/٢٧), كفاية الاخيار (١/٢٨٨),
منهج القويم شرح منهج الطلاب ٣١٣)
زاد المحتاج (٢/٣٢٧),
المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (٢٤٩)
شرح الكبير (٤/٥٧٩) فتح المعين
وفي الإعانة (٢/٦٩) قوله لاتباع السلف والخلف تعليل لاشطراط كونهما بالعربية اي شرط ذلك لاتباع السلف والخلف اي لوجوب اتباعهم
أو المراد لفعل السلف والخلف المتبع.انتهى.
وفي حاشية البجيرمي على الخطيب (٢/١٧٨) قوله لاتباع السلف والخلف
السلف الصحابة والخلف من عداهم من التابعين وتابعيهم أو السلف المتقدمون وقاحج الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين الثلاثمائة أو الاربعمائة انتهى.
انظر الإعانة (٢/١١٠)
وقال الشيخ عبد الحي رحمه الله
في عمدة الرعاية(١/٢٠٠) فإنه لاشك في أن الخطبة بغير العربية خلاف السنة المتوارثة من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم
فيكون مكروها تحريما انتهى.
وقال رشيد الرضى زعيم الوهابية فى تفسير المنار (٩/٣١٣) لا يزالون يقرؤون القرآن وأذكار الصلاة والحج وغيرها بالعربية وكذلك خطبة صلاة الجمعة والعيدين إلا ما شذت به الحكومة الكمالية التركية فأمرت خطباء أن يخطبوا بالتركية.
وقال زعيم منظمة الوهابية في كيرلا
(المشهور بكيم مولوي) أول من قال بالترجمة في كيرلا في مجلة "الإرشاد " ولكن ههنا شئ آخر ينبغي الالتفات إليه وهو أنا لم نجد في كتاب من الكتب أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم كانوا في بلاد العجم حينما يخطبون الخطب المشروعة يذكرون التوابع بلغة أهل البلاد ويترجمون بها عقب ذكرها بالعربية بل نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من السلف رضي الله عنهم كانوا يخطبون الخطب المشروعة أركانها وتوابعها كلها بالعربية..
وقال ايضا في قراره المقدم في حفل الوهابية ببلد" بنربة"
فعلم من هذه الأقوال اعني أقوال الأئمة وأقوال أمراء الوهابية أن قراءة الخطبة بالعربية اتباع سبيل المؤمنين
وتقدم أن اتباع سبيلهم واجب فنتج من هذه المقدتين قراءة الخطبة بالعربية واجبة.
وعلم مما تقرر قراءة الخطبة بغير العربية عدم اتباع سبيل المؤمنين ،
وعدم اتباع سبيلهم حرام
فقراءة الخطبة بغير العربية حرام
.
ولا يقال معاذ الله إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بغير العربية لعدم علمه بلغات غير عربية لأنه لا شك كان عالما باللغات كلها
وفي صحيح البخاري(كتاب الجهاد باب ١٨٨)
باب من تكلم بالفارسية والرطانة وقول الله عز وجل واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، (الروم٢٢) وقال وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (إبراهيم ٤)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية كخ كخ
(صحيح البخاري٣٠٧٢)
قال الامام العسقلاني رحمه الله
في فتح الباري " قوله
وقول الله عز وجل واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، (الروم٢٢) وقال وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (إبراهيم ٤) كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى ان يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم و يفهموا عنه ويحتمل أن يقال لايستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم. انتهى
قال الامام القسطلاني ف كتابه الإرشاد الساري (٦/٦٠٨)فيه اشارة الى ان نبينا صلى الله عليه وسلم اكان عارفا بجميع الألسنة لشمول رسالته الثقلين على اختلاف ألسنتهم ليفهم عنهم و يفهموا عنه....وقال ابن المنير: وجه مناسبته أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة الأعجمي بما يفهمه من لغته، ومقصود البخاري من إدراج هذا الباب في الجهاد أن الكلام بالفارسية يحتاج إليه المسلمون لأجل رسل العجم، انتهى
وقال الإمام العيني رحمه الله في كتابه عمدة القاري "
قوله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وتمام الآية: ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم وهذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال الزمخشري: ليبين لهم أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه، فلا تكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا: لم نفهم ما خوطبنا به. اه. وكأن البخاري أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة؛ لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم، فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته، فاقتضى أن يعرف ألسنتهم؛ ليفهم عنهم ويفهموا عنه، والدليل على عموم رسالته قوله تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا بل إلى الثقلين، وهم على ألسنة مختلفة. انتهى
وقال الامام تاج الدين السبكي رحمه الله في "طبقات الشافعية الكبرى (2/201) وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم فيخاطب بكل قوم بلغتهم انتهى.
وقال الامام الصاوي رحمه الله في تغييره(2/260) إذا قلت... وأجيب:بأن الله علمه جميع اللغات فكان يخاطب كل قوم بلغتهم. وان لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية لأنه لم يتفق انه خاطب احدا من اهلها ولو خاطبه لكلمه بها انتهى.
وكذلك في جملة الصحابة من يتكلم بغير العربية. كسلمان رضي الله عنه وهو فارسي وكصهيب رضي الله عنه وهو رومي وكبلال رضي الله عنه وهو حبشي .
لو جاز أن يقرأ الخطبة بغير العربية فقد أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلغاتهم في بلادهم لكونها
أيسر وأسهل وأقرب في تفهيم الناس.
وقد أيد هذا النظر ما قاله الامام الرازي رحمه الله في تغييره(1/217)
الحجة الثالثة عشرة: لو كان هذا(ترجمة الفاتحة) جائزا لكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي في أن يقرأ القرآن بالفارسية ويصلي بها، ولكان قد أذن لصهيب في أن يقرأ بالرومية، ولبلال في أن يقرأ بالحبشية؛ ولو كان هذا الأمر مشروعا لاشتهر جوازه في الخلق فإنه يعظم في أسماع أرباب اللغات بهذا الطريق، لأن ذلك يزيل عنهم أتعاب النفس في تعلم اللغة العربية، ويحصل لكل قوم فخر عظيم في أن يحصل لهم قرآن بلغتهم الخاصة، انتهى
الحديث
صلوا كما رأيتموني أصلي (بخاري6008)
وهذا الحديث أيضا يصرح أنه ينبغي أن يكون الخطبة بالعربية لأنه أمر بالصلاة كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم والأمر بالشيئ للوجوب حقيقية انظر جمع الجوامع (1/376)
فيجب علينا كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجب علينا أن نصلي الجمعة مع الخطبة باللغة العربية كما يحب علينا أن نصلي مع الوضوء بالماء المطلق.لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة الا مع الخطبة باللغة العربية. ولا يقال إن الأمر بالصلاة كيف يكون للخطبة لان الأمر بالصلاة أمر بما تتوقف عليه من الوضوء والخطبة.. وقد في جمع الجوامع مع شرحه (1/142) مسئلة: الفعل المقدور للمكلف الذي لايتم اي يوجد الواجب المطلق الا به واحب بوجوب الواجب سببا كان اوشرطا انتهى.
و أيضا قد يستعمل لفظ" الصلاة" للخطبة مجازا كما في حديث البخاري" )894)بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ اقبلت عير الحديث..
قال الحافظ رحمه الله في (فتح الباري 3/468) وقوله في الصلاة أي في الخطبة وهو من تسمية الشيئ بما قاربه انتهى.
والقاعدة أنه يجووز أن يراد باللفظ معناه الحقيقي والمجازي معا (جمع الجوامع 1/298)
فمعنى صلوا في الحديث صلوا صلاةبمعنى افعال واقوال مخصوصةالخ..
وصلاة بمعنى الخطبة أي واخطبوا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم.
على أن الائمة احتجوا بهذا الحديث على شرطية العربية في الخطبة.
وقد قال الامام النووي رحمه الله في "المجموعة"(4/522) فشرط فيه العربية كالتشهد وتكبيرة الاحرام مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وكان يخطب بالعربية انتهى.
قال الامام العمراني رحمه الله:
ويشترط ان يأتي بالخطبة بالعربية لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يخطبون بالعربية وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي (البيان (٢/٥٧٣)
فثبت بهذا الحديث أن الخطبة يغير العربية حرام
لأن الأمر بشيئ معين نهي عن ضده واذا كان الأمر للايجاب يكون النهي عن ضده للتحريم انظر جمع الجوامع (1/385)
الاجماع
وقد ثبت أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وتابيعيهم العظام ومن بعدهم من الائمة الهداة و المسلمين لم يخطبوا الا باللغة العربية انما حدثت هذه البدعة المنكرة اعني الخطبة الغير العربية بعد ثلاثة عشر قرنا.
وهذا الاجماع السكوتي أيضا يقتضي أن قراءة الخطبة بالعربية واجبة لأنه لولم تكن واجبة وكانت مباحة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته التي حضرها الاعجميون وكذا الصحابة لفعلوا ذلك في خطبتهم في بلاد العجم حين راحوا إليها لدعوة الإسلام ولكن لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مع احتياج المخاطبين إلى التعلم عن الإسلام أشد احتياج. ولهذا استدل الائمة لكون الخطبة عربية بهذا الاجماع. قال ابن حجر رحمه الله في" المنتج القويم"249) وكونهما بالعربية وان كان الكل أعجميين لاتباع السلف والخلف انتهى. قد تقدم عبارات شتى التي تدل على الاجماع واستدلال الائمة به علي شرطية العربية.
ويؤيد ما قلت قول الامام إبن محمد علي ابن زكريا المنبجي الحنفي المتوفى٨(٦٨٦) في كتابه "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب(١/٢٨١) "
و النبي صلى الله عليه وسلم اذا فعل فعلا ودام عليه ولم يقم دلي على عدم وجوبه علينا من قول أو فعل واستقر الأمر عليه في زمانه وزمن من بعده فهو واجب سيما في الصلاة وما يتعلق بها وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي انتهى.
أقول
وهذه القاعدة تقتضي كون الخطبة عربية وجوبا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بالعربية دائماً واستقر الأمر عليه بعده
ومع ذلك الخطبة متعلقة بالصلاة.
القياس
لأنه ذكر مفروض فشرط فيه العربية كالتشهد وتكبيرة الاحرام (شرح المهذب 4/522)
والقران يدل على أن الخطبة ذكر
وقد قال الله عز وجل
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ الجمعة٩
وقَوْلُهُ: ﴿إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ الذِّكْرُ هو الخُطْبَةُ عِنْدَ الأكْثَرِ مِن أهْلِ التَّفْسِيرِ
تفسير الرازي 30/8)
فعلم من الادلة الأربعة اعني القران والسنة والاجماع والقياس أن قراءة الخطبة بالعربية واجب وبغيرها حرام
مع أنه بدعة مذمومة ضلالة لأن الخطبة بغير العربية مخالف للقران والسنة والاجماع والقياس
وقد قال الشافعي رضي الله عنه
"ان ما احدث ممايخالف الكتاب والسنة والاجماع والاثر ضلالة انتهى (القواعد للشيخ عز الدين بن عبد السلام)
قال الامام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في تحفة المحتاج(9/334)
وجاء باسناد حسن أن ابابكر وعمر رضي الله عنهما كانا لايضحيان مخافة أن يرى الناس وجوبها انتهى.
وهذه العبارة تقتضي وجوب عربية الخطبة لأن الخلفاء الراشدين ورسلهم إلى بلاد العجم لم يخطبوا الا بالعربية وان لم تكن واجبة لتركوها مخافة للوجوب.
الفصل الرابع: في أچوبة عن أسئلة
السؤال الأول
وفي عمدة الرعاية (1/200) ولا يشترط كونها بالعربية فلو خطب بالفارسية أو بغيرها جاز انتهى ومثل هذه العبارة كثير في كتب الحنفية كيف يقول السنيون الاجماع على تحريم الخطبة بغير العربية.
نقول أولا: إن مثل هذا أقوال الائمة كيف يكون دليلالكم عليكم أن تأتوا باية من القرءان أو حديث أو اجماع او قياس جلي ولكن لا يستطيع لكم هذا إلى يوم القيامة
وثانيا: أن الجواز هنا بمعنى الصحة لا بمعنى الاباحة
وقد صرح بهذا الشيخ عبد الحي رحمه الله في كتابه' عمدة الرعاية شرح الوقاية' (١/٢٠٠)" والمراد بالجواز هو الجواز في حق الصلاة بمعنى أنه يكفي لأداء الشرطية وتصح بها الصلاة لا الجواز بمعنى الإباحة المطلقة فإنه لاشك في أن الخطبة بغير العربية خلاف السنة المتوارثة من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ويكون مكروها تحريما انتهى
وثالثا : أن اثبات صحة الخطبة لا يستلزم عدم الحرام وأن نفي الشرط الذي هو أخص لا يستلزم نفي الوجوب الذي هو أعم مثلا أن ترك الصلاة في مكان مغصوب واجب والصلاة فيه حرام لكنه ليس بشرط لصحة الصلاة
ورابعا: والقول بصحة غير العربية في الخطبة ليس متفقا عند الحنفية
لأن العربية شرط للخطبة عند صاحبي ابي حنيفة رضي الله عنه
وعنده وان لم تكن شرطا يكرهه تحريما ترك العربية كمامر بيانه
وخامسا: و أيضا قد ثبت في كتبهم عبارات تدل على وجوب عربية الخطبة كما تقدم
السؤال الثاني:
قال الامام النووي رحمه الله في شرح المهذب.... والثاني مستحب ولايشترط... هذه العبارة تصرح ان العربية مستحب ولا شرط كيف تقولون إنها واجب؟
لنا عن هذا السؤال اجوبة
الأول: إن هذا القول لم يثبت في المذهب عند الجمهور وهم قطعوا أنه يشترط كونها عربية وليس في المذهب في هذا الأمر قول آخر كما
في "المجموعة"(4/522) وهذا هو االمعتمد نحن نعتمد عليه
فلا حاجة إلى جواب مالم يثبت.
الثاني: وان سلم ان هذا القول قد ثبت لم يعتبر به لكونه عند من اثبته قولا فاسدا لأنه مقابل الصحيح(انظر روضة2/26) الذي يشعر بانتفاء الصحة ما في مقابله كما قاله الامام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في التحقة.
حاصل الجواب
ان الجمهور من الائمة يقولون ان هذا القول لم يثبت في المذهب. وليس في المذهب قولا بعدم الشرطية. وهذا القول هو االمعتمد
وبعض الائمة يقولون " في المذهب في هذا الأمر وجهان احدهما شرطية العربية والثاني عدمه والمعتمد عندهم شرطية العربية.
فالصحيح أن هذا القول ليس بثابت
والوجه بثبوت هذا القول ضعيف
والمعتمد عند من اثبت هذا الوجه شرطيتها.
فعدم شرطيتها ضعيف بعد ضعيف
كيف يعتمد عليه!؟
الثالث: ان هذا ليس مخالفا لدعوى السنيين لأن نفي الشرط لا يلزم منه نفي الحرام وعدم الواجب. لأن الشرط أخص من الواجب ونفي الاخص لايستلزم نفي الاعم.
الرابع: واما قول" مستحب" فليس برأي ايجابي لكم لان المستحب والسنة احق ان يتبع ويقتدى
. وليس بمخالف لنا
ولو قيل أنه يدل علي عدم حرام غير العربية لان ترك المستحب ليس بحرام. نقول قول "المستحب" لا يدل على عدم الحرام لأنه لو قلتم هذا ماذا يقال في قول الفقهاء "لايشترط لهما (الخطبتين)ستر العورة بل يستحب انتهى (نيل المارب 1/233)
وفي فتح الباري (2/609 كتاب الصلاة) ومنهم من اطلق كونه (ستر العورة في الصلاة) سنة لا يبطل تركها الصلاة.. انتهى
وهل يجوز أن يقال أن كشف العورة ليس بحرام وستر العورة ليس بواجب ؟! لا يقول بهذا من يعقل.
واعلم ان ما كان سنة قد يكون تركه حراما باختلاف الحيثية.
قال الامام الزركشي رحمه الله في"بحر المحيط"(1/377)
المندوب مايمدح فاعله ولا يذم تاركه
من حيث هو تارك له فخرج بالقيد ما لو أقدم على ضد من اضداد المندوب وهو معصية في نفسه فيلحقه الاثم
من حيث عصيانه لا من حيث تركه المندوب قاله في التلخيص انتهى
وفي فتح المعين (5) وعلى ندب الاستتابة لايضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم انتهى
فالخطبة بالعربية على هذا الوجه الضعيف أشد الضعف مندوب لا شرط لقياسهم أن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بغير العربية أيضا فلا يشترط كونها عربية بل يندب من حيث انه خطبة. ولكن ترك هذا المندوب حرام من حيث انه اتباع غير سبيل المؤمنين كما أن ستر العورة ليس بشرط بل مستحب من حيث الخطبة ولكن تركه حرام بوجه آخر
.
ويدل على هذا (قد يكون ترك المستحب حراما) قول الامام الرازي رحمه الله في تفسيره(1/190)
الحجة الرابعة:(يعني الحجة الشافعية لقولهم إن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة) أن الأمة وإن اختلفت في أنه هل تجب قراءة الفاتحة أم لا لكنهم اتفقوا عليه في العمل، فإنك لا ترى أحدا من المسلمين في المشرق والمغرب إلا ويقرأ الفاتحة في الصلاة، إذا ثبت هذا فنقول: إن من صلى ولم يقرأ الفاتحة كان تاركا سبيل المؤمنين فيدخل تحت قوله: * (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * (النساء: 115) فإن قالوا إن الذين اعتقدوا أنه لا يجب قراءتها قرأوها لا على اعتقاد الوجوب، بل على اعتقاد الندبية فلم يحصل الإجماع على وجوب قراءتها، فنقول: أعمال الجوارح غير أعمال القلوب، ونحن قد بينا إطباق الكل على الإتيان بالقراءة، فمن لم يأت بالقراءة كان تاركا طريقة المؤمنين في هذا العمل، فدخل تحت الوعيد، وهذا القدر يكفينا في الدليل، ولا حاجة بنا في تقرير هذا الدليل إلى ادعاء الإجماع في اعتقاد الوجوب.انتهى
وهذه العبارة تنادي بأعلى صوته
أن اختلاف الائمة في شرطية العربية وأن قولهم باستحبابها ليس يدل على عدم وجوب العربية في الخطبة
لأن المسلمين في المشرق والمغرب لم يخطبوا الا باللغة العربية إلى ثلاثة عشر قرنا. إذا ثبت هذا فنفول إن من خطب بغير العربية كان تاركا سبيل المؤمنين فيدخل تحت قوله" (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * (النساء: 115) فإن قلتم إن الذين اعتقدوا أنه لا يشترط عربيتها خطبوا بالعربية لا على اعتقاد الوجوب ، بل على اعتقاد الندبية فلم يحصل الإجماع على وجوب عربيتها، فنقول: أعمال الجوارح غير أعمال القلوب، ونحن قد بينا إطباق الكل على الإتيان بالعربية ، فمن لم يأت بالعربية كان تاركا طريقة المؤمنين في هذا العمل، فدخل تحت الوعيد، وهذا القدر يكفينا في الدليل، ولا حاجة بنا في تقرير هذا الدليل إلى ادعاء الإجماع في اعتقاد الوجوب
وفي حاشية الجمل (2/28) وقد يقال هذا (الوعظ في الجملة) يأتي في الخطبة بغير العربية الا أنه خلاف فعل السلف والخلف انتهى.
الخامس: و أيضا قد يقال ان السنة هنا بمعنى الواجب وقد قال الامام الزركشي رحمه الله في بحر المحيط (1/377) ومنهم من قال السنة لاتختص بالمندوب بل تتناول ما علم وجوبه أو ندبيته انتهى.
السؤال الثالث:
وفي حاشية النهاية (2/317)
قوله "كما أن المراد بهما اركانهما " يفيد أنه لو كان ما بين اركانهما بغير العربية لم يضر.. انتهى
وهذه العبارة تقتضي عدم ضرر غير العربية في غير اركان الخطبة وهذا مخالف لدعوى السنيين ؟
الأجوبة
الأول: أن هذا النفي نفي الضرر للخطبة التي هي الأركان باتيان التوابع بغير العربية لا نفي الضرر عن التوابع إذا كانت غير عربية. فمعنى لم يضر لم يقدح في صحة الخطبة كون ما بين الأركان بغير العربية.
ويدل على هذا قول الشرواني رحمه الله في حاشيته (1/450) قوله 'دون ما عداها " يفيد أن كون ماعدا الأركان من توابعها بغير العربية لايكون مانعا من المولات انتهى
وهذا إذا لم يطل الفصل بغير العربية. لأن صاحب هذه العبارة نفسه يقول ويجب وفاقا لم ر أن محله إذا لم يطل الفصل بغير العربية والا ضر لاخلاله بالموالات كاالسكوت بين الأركان إذا طال انتهى
الثاني: أن غير العربية في التوابع لا يضر الخطبة إذا لم يطل الفصل
وترك الخطيب التوابع لا يضر الخطبة وكيف يضر الخطبة إذا اتي بها بغير العربية ولكن يضر التوابع ولا يصح التوابع لأن ابن قاسم رحمه الله نفسه قد صرح بشرط العربية في التوابع حيث قال أن غير العربية لغو لايحسب لأن غير العربي لا يجزئ مع القدرة على العربي فهو لغو (حاشية النهاية ٢/٣١٧)
فقوله لغو لايحسب.... لا يجزئ
يفيد أن العربية في التوابع شرط لصحتها لا لصحة الخطبة. لأن نفي الاجزاء يفيد نفي الصحة وفي جمع الجوامع (١/٣٨٣) وبصحة العبادة اجزاءها انتهى
ونفي الصحة يفيد الفساد وايضا أن قوله لا يجزئ يفيد أن غير العربية في التوابع والاركان حرام لأن نفي الاجزاء يفيد الفساد وفي جمع الجوامع (١(١٩٨) ونفي الاجزاء كنفي القبول في أنه يفيد الفساد فان ماانتفت صحته لايعتد به انتهى
والتعلق بالفساد حرام
قال الامام ابن حجر رحمه الله في الفتاوى الكبرى (١/٢٠٩) أن التلبس بالعبادة الفاسدة حرام.
وفي بغية المسترشدين (٨٠) وإذا فقدت شروط الجمعة عند الشافعي لم يجب فعلها بل يحرم حينئذ لأنه تلبس بعبادة فاسدة انتهى.
أن تعاطي الشيئ على خلاف ما أوجبه الشارع حرام ولا يصح (تحفة ١/٦٦) الإقناع (١/٦٢)
وفي النهاية (١/١٦٥) ... لأنه إذا غسل شيئاً قبل النية حرم عليه ذالك لتعاطيه عبادة فاسدة...
فالحاصل أن غير العربي في الخطبة سواء كان اركانا وتوابعا لايحزئ أي لا يصح فيكون غير العربية في الخطبة حراما لأنه تلبس بعبادة فاسدة.
السؤال الرابع:
وفي حاشية النهاية (2/316)
والقياس عدم الضرر (غير العربية في التوابع) مطلقا (سواء طال الفصل ام لا) ويفرق بينه وبين السكوت بأن في السكوت اعراضا عن الخطبة بالكلية بخلاف غير العربي فان فيه وعظا في الجملة فلا يخرج بذلك عن كونه من الخطبة انتهى. وهذه العبارة تقتضي أن القياس الذي هو دليل من الادلة الأربعة يدل على أن غير العربية في الخطبة لا يضر مطلقا. كيف يقول السنيون ليس لمدعي ترجمة الخطبة دليل ؟
نجيب عن هذا بوجوه
الوجه الأول: أن هذا القياس ليس بصحيح لأنه لو صح يلزم أن يقال ان الخطبة بعد صلاة الجمعة لاتضر وتصح لانها لاتخلو عن كونها وعظا في الجملة وكذلك لا يحتاج إلى الوضوء والقيام والموالات وغير ذلك لحصول الوعظ المقصود من الخطبة. فهل يقول قائل هذا القياس لا يضر عدم جميع ماذكر من الشرائط ولا يخرج عن كونه خطبة ؟!
الوجه الثاني: وان سلم أن هذا القياس صحيح لكن الحكم هنا خلافه لأن الأئمة قد صرحوا باشتراط العربية كما مر بيانه
و أيضا يشير إلى أن الحكم هنا خلاف هذا القياس قول سليمان الجمل وعلي الشبراملسي بعد قولهما "عدم الضرر مطلقا" اعني قولهما..."ولا يعارضه صحة الخطبة بالعربية بل وجوبها بها حيث أحسنها دونهم لأنها الأصل فوحب مراعاته بخلاف غيرها من اللغات انتهى
حاشية الجمل (2/28)
ومثل هذا (خلاف الحكم للقياس) كثير في الفقه كبحث الأذرعي رحمه الله في قن صغير نطق بالشهادتين أنه يؤمر بالصلاة والصيام وحث عليها من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه وان أبى القياس ذلك (فتح المعين)
وقد قال الامام الرافعي رحمه الله
في الشرح الكبير (4/610)
والحكم بأن الجواز أقيس لا ينافي كون المنع أظهر لأنه قد يكون أحد طرفي الخلاف أقرب إلى القياس وان كان الثاني أظهر انتهى.
فقول "والقياس عدم الضرر مطلقا" انما قالوا لاظهار أن الحكم هنا خارج عن هذا القياس ولا ينبغي أن ينظر لهذا القياس
الوجه الثالث:وان سلم أن هذا القياس صحيح والحكم على ذلك لا ينافي لدعوى السنيين.
لأن عدم الضرر لايستلزم عدم الحرام
قال الامام الشرواني رحمه الله في حاشية التحفة (2/38) قوله" لاضمها " أي فلا يضر مطلقا ويحرم مع العمد والعلم انتهى .
وانما قلنا هذا حرام وان كان القياس يجوز هذا لأنه مخالف لسبيل المؤمنين والمخالفة له حرام كما مر بيانه..
والى هذا تشير عبارة حاشية الجمل (2/28) وقد يقال هذا (الوعظ في الجملة)يأتي في الخطبة بغير العربية الا أنه خلاف فعل السلف والخلف انتهى
السؤال الخامس:
(ويشترط كونها) أي الأركان دون ما عداها (عربية) تحفة المحتاج
وهذه العبارة تقتضي عدم شرط العربية في غير اركان الخطبة من التوابع.كيف يكون غير العربية في التوابع حراما ؟
ولهذا السؤال أيضا عندنا أجوبة
الجواب الأول:ومثل هذه العبارة تقتضي شرط كون الأركان عربية
ولا تقتضي شرط العربية في التوابع وعدمه.
ومعنى هذه العبارة يشترط للخطبة أي الأركان كونها عربية أي ينبغي لصحة الأركان كون الأركان عربية ولا يتوقف صحة الخطبة المراد بها الأركان على كون التوابع عربية لأن صحة الخطبة لا تتوقف على التوابع فكيف تتوقف على عربية التوابع
وهذ المعنى يفهم من سائر الكتب
وفي النهاية (2/317) ويشترط كونها أي الخطبة والمراد بها الجنس الشامل الخطبتين كما أن المراد بهما أركانهما انتهى
وفي حاشية الشرواني (2/450)
قوله "دون ما عداها " يفيد أن كون ما عدا الأركان من توابعها بغير العربية لا يكون مانعا للموالات انتهى
وفي حاشية النهاية (2/317) قوله "كما أن المراد بهما اركانهما " يفيد أنه لو كان ما بين اركانهما بغير العربية لم يضر انتهى.
وهذه العبارة(دون ما عداها)لا تدل على عدم شرط العربية في التوابع ولو كانت دالة عليه لقال الامام الشرواني رحمه الله قوله "دون ما عداها" يفيد أن التوابع تصح بغير العربية.
وشرط العربية في التوابع صرح به ابن قاسم رحمه الله كما تقدم.
والحاصل وان صحت الخطبة إذا أتى الخطيب التوابع بغير العربية مالم يطل الفصل يأثم الخطيب به لأنه أتى التوابع خلاف المؤمور به.
وهذا كما نقول أن ماء المطلق شرط للوضوء أي لفروض الوضوء دون سننها اعني لوتوضأ احد بماء المطلق في الفروض وبماء الوردد في سننها صح الوضوء ولكن يأثم لاستعمال ماء الورد في سنن الوضوء لأنه اتى بسننه على خلاف المؤمور به
الجواب الثاني: والأئمة قد صرحوا
أن غير العربية بين الأركان إذا طال يضر كما مر. وهذا يدل على أن غير العربية كلام أجنبي وليس بخطبة
.
الجواب الثالث: وهذه العبارة أيضا كمثل عبارة" لم يضر" وجواب ذلك جواب هذا
الجواب الرابع: أن علة شرطية العربية في الأركان ثابتة في التوابع وهي اتباع السلف والخلف. كيف يفرق بينهما.
الجواب الخامس: وان سلم أن معنى عبارة "دون ما عداها " العربية ليست شرطا للتوابع وكيف مخالف لنا لأن نفي الشرط لا يستلزم نفي الوجوب وعدم الحرام فعل ضده كما مر.
السؤال السادس:
وفي الأم للامام الشافعي رضي الله عنه (1/233) انما كانت الخطبة تذكيرا انتهى والخطبة بغير لغة السامعين لغو وعبث وكيف تكون تذكيرا ؟
نقول وهذا السؤال كما كانت سائر الأسئلة سؤال من لايعقل وقد قال الله تعالى عن القرءان
وانه لتذكرة للمتقين(الحاقة48)
وما هو الا ذكر للعالمين (القلم 52)
والقران موعظة وتذكير للعرب والعجم وهل يقول أهل الضلال أن القرءان لغو وعبث لكونه تذكيرا باللغة العربية للعجم!؟
السؤال السابع:
وفي مقدمة بأفضل(251)
تسن على منبر....وأن تكون بليغة مفهومة انتهى انما يكون الخطبة مفهومة إذا كانت بلغة السامعين
وان لم تكن بلغتهم تفوت هذه السنة وكيف تكون مفهومة ؟
نقول: كل اللغات مفهومة إذا تعلمت.
فكل من يرغب الفهم خطبة الجمعة يتعلم اللغة العربية. وان قال العلماء كون الخطبة مفهومة سنة لقالوا تعلم العربية فرض كفاية وفي منهج القويم (303) ..فان أمكن تعلمهما بها خوطب به جميع أهل البلد على الكفاية وان زادو على الأربعين فان لم يفعلوا عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر انتهي
نقطع النعل بالقدم، ولا نقطع القدم بالحذاء.
ووجوب العربية ثابت بالأدلة الأربعة وأقوال الأئمة.
و أيضا لا يلزم من سنة كون الخطبة مفهومة كونها بلغة الناس لأن الفقهاء قد صرحوا ان قراءة أية مفهمة في احدى الخطبتين فرض.وهل تقول أيها السائل معنى كون الاية مفهمة كونها بلغة الناس!؟
على أن الفقهاء قد صرحوا باشتراط العربية في الخطبة وان لم يعرفها السامعون فكيف يجوز أن يقال معنى كون الخطبة مفهومة كونها بلغة الناس!؟
ولم يقل أحد من العلماء أن الخطبة بالعربية للأعجميين لغو بل اتفقوا انها تصح وان لم يفهمها السامعون
قال الامام النووي رحمه الله: لو سمعوا الخطبة فلم يفهموها فانها تصح بالاتفاق (المجموع 4/523)
وفي الاعانة(2/111) أي وشرط فيها عربية وان كانوا كلهم عجما وفائدتها حينئذ مع عدم معرفتهم لها علمهم بأن ما يقوله الخطيب وعظا وقوله في الجملة أي بالاجمال وان لم يعلم عين الموعوظ به انتهى.
وقال الامام ابن حجر رحمه الله في شرح بافضل (249) وفائدة الخطبة بها وان لم يعرفها القوم العلم بالوعظ من حيث الجملة إذ الشرط سماعها لا فهم معناها انتهى.
وفي شرح المنهج (2/28) واجاب الفاضي عن سؤال ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة انتهى كذا في منهج القويم (304) والاعانة (2/111)
وفي حاشية الجمل (2/28) قوله "من حيث الجملة". كأن معناه أنهم يعلمون أنه يعظهم ولا يعلمون الموعوظ به.
فالمراد بكون الخطبة مفهومة أن تكون الألفاظ العربية في الخطبة مفهومة غير غريبة ولا وحشية
قال الامام ابن حجر رحمه الله في شرح بافضل (251) (مفهومة)لكل الناس لأن الغريبة الوحشية لا ينتفع بها أكثرهم انتهى
وفي البشرى الكريم (2/336) وأن تكون مفهومة لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به أكثر الناس قال علي كرم الله وجهه حدثوا الناس بما يعرفون انتهى
فعلم ليس المراد بكون الخطبة مفهومة كونها بلغة الناس بل كونها بألفاظ مستعملة غير غريبة..
السؤال الثامن:
(ولا يجوز) للخطيب بمعنى لايحل له ولايصح منه (ان يترجما) شيئًا من أركان الخطبتين بل يأتي بها بالعربية وان لم يعرفها السامعون لما جرى عليه السلف والخلف فان تعذرت خطب بلغته وعلى الجميع تعلمها فرض كفاية فان قصروا عصوا فلا جمعة لهم بل يصلون الظهر وأجاب الفاضي عن سؤال ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة ويوافقه ما في الروضة كأصلها فيما لو سمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها أنها تصح (غررالبهية شرح منظومة البهجة 3/41) قوله " من أركان الخطبتين" خرج غيرها فيجوز سم
(حاشية الخطيب على غرر البهية 3/41)
وقول ابن قاسم رحمه الله "فيجوز"
يستدعي جواز واباحة غير العربية في التوابع وهذا مخالف لدعوى السنيين ؟
نقول الجواب عنه بوجوه
الوجه الأول: ولا يجوز أن يقال إن قوله "فيجوز" يفيد أن غير العربية في مباح وليس بحرام لأن ابن قاسم رحمه الله نفسه صرح "أن غير العربية لا يصح في التوابع حيث قال"أن غير العربي لغو لايحسب لأن غير العربي لا يجزئ مع القدرة على العربي فهو لغو" انتهى سم على المنهج حاشية النهاية (2/317)
الوجه الثاني: أن عبارة "فيجوز" بدل عن لفظ " لم يضر"/لايكون مانعا من المولات. فقد مر أن نفي الضرر لا يفيد عدم الحرام
فالضمير في "فيجوز" عائد إلى" أركان" والأركان هو جمع القلة الذي يذكر ويؤنث ولا يجوز اعادته إلى "غيرها" لأن ابن قاسم رحمه الله نفسه صرح بعدم صحة غير الأركان أيضا إذا كان بغير العربية
كما مر بيانه...
فالمعنى لايحل ولا يصح ترجمة شيئ من الأركان فاذا ترجم غير الأركان من توابعها يصح الأركان ولايكون مانعا من المولات بينها إذا لم يطل الفصل
ولكن غير العربية في التوابع يحرم ولايجزئ .
الوجه الثالث: أن " يجوز" ليس بمعنى يحل ويبيح بل معناه يصح
ويدل على أنه بمعنى يصح كونه في مقابلة "لا يجوز" الذي شرحه شيخ الإسلام بقوله " بمعنى لا يحل ولايصح"
ان ورود لفظ الجواز بمعنى الصحة شاعئ.
وفي الاقناع في حل الفاظ ابي الشجاع (1/62) تنبيه يجوز إذا اضيف إلى العقود كان بمعنى الصحة واذا أضيف إلى الأفعال كان بمعنى الحل وهو هنا بمعنى الأمرين لأن من أمر غير الماء على أعضاء طهارته بنية الوضوء أو الغسل لا يصح ويحرم لأنه تقرب بما ليس موضوعا للتقرب فعصى لتلاعبه انتهى
قال البجيرمي رحمه الله في حاشية الاقناع قوله" وهو هنا بمعنى الأمرين " أي فيكون من استعمال المشترك في معنييه لكن يرد عليه نحو الماء المغصوب فإنه يصح التطهير به ولا يحل والظاهر بل المتعين أن يجوز هنا بمعنى يصح لأجل ادخال الماء المسيل والمغصوب... وعبارة م ر قوله وهو هنا بمعنى الأمرين ان هذا المحل مستثنى والجواز فيه بمعنى الصحة والحل معا فلا يرد أن التطهير فعل فكيف يكون بمعنى الصحة.... وأجاب سم عن ايراد المسبل والمغصوب بأنهما يحلان بالنظر لذاتهما وان حرما من جهة أخرى انتهى
الوجه الرابع: ان قوله "فيجوز" بمعنى لم يضر فالضمير يعود إلى "الترجمة " المعلوم من الشرط المحذوف تقديره لا يجوز ترجمة الأركان فاذا ترجم غير الأركان لا يضر الأركان. فلا يلزم من نفي الضرر عن الأركان نفي الضرر عن التوابع
ان لورود لفظ "جاز" بمعنى "لا يضر" مثل. قال الامام ابن حجر رحمه الله في التحقة (1/196) ( ومن تبردا مع نية معتبرة جاز) له ذلك أي لم يضره في نيته المعتبرة.
الوجه الخامس:وان سلم أنه نفي الضرر عن التوابع لايلزم منه عدم حرام ترجمة التوابع لأن اللازم من نفي الضرر الصحة وما كان صحيحا قد يكون حراما كما هو ظاهر
السؤال التاسع: قال الامام الشافعي رضي الله عنه في الأم "لا بأس أن يتكلم الرجل في خطبة الجمعة وكل خطبة فيما يعنيه ويعني غيره بكلام الناس انتهى
قول الشافعي رضي الله عنه لابأس أن يتكلم..بكلام الناس يقتضي جواز الخطبة بلغة السامعين وليس للسنيين
في دعواهم دعم امامهم الشافعي رضي الله عنه ؟!
نقول: عبارة الأم ليس لها علاقة بمضوعنا وبين هذه وبين موضوعنا بون كما بين الثرى والثريا .
لأن كلامنا عن الخطبة والبحث في الأم عن الكلام في الخطبة
وتكلم الخطيب بين الخطبة موضوع آخر.
وبين الامام النووي رحمه الله هذا الموضوع في (المجموع 4/513)
حيث قال:"وفي تحريم الكلام على الخطيب طريقان : ( أحدهما ) : على القولين ( والثاني ) : وهو الصحيح وبه قطع الجمهور : يستحب ولا يحرم للأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " تكلم في الخطبة " والأولى أن يجيب عن ذلك بأن كلامه صلى الله عليه وسلم كان لحاجة .
قال أصحابنا : وهذا الخلاف في حق القوم والإمام في كلام لا يتعلق به غرض مهم ناجز ، فلو رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا ونحوها تدب إلى إنسان غافل ونحوه فأنذره أو علم إنسانا خيرا أو نهاه عن منكر فهذا ليس بحرام بلا خلاف نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب على التصريح به ، لكن قالوا : يستحب أن يقتصر على الإشارة إن حصل بها المقصود : هذا كله في الكلام في حال ، الخطبة أما قبل الشروع فيها وبعد فراغها فيجوز الكلام بلا خلاف لعدم الحاجة إلى الاستماع. انتهى
السؤال العاشر:
وفي الحديث " حدثوا الناس بما يعرفون.
وهذا الحديث يقتضي كون الخطبة بلغة يعرفها السامعون ؟
نقول: أولا إن هذا قول علي كرم الله وجهه أنتم الذين رفضتم الصحابة كافة في هذا الموضوع حيث قلتم" إن الصحابة ليسوا بدليل في الدين كما أن علماء السنيين في كيرلا ليسوا بدليل في الدين" كيف تمسكتم بقول صحابي؟هذا نفاق
وثانيا: وان عليا والخلفاء غيره وسائر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف لم يخطبوا الا باللغة العربية في بلاد العرب والعجم
مع هذا الحديث فليس لهذا الحديث
تعلق بموضوعنا.
وثالثا: معنى الحديث ينبغي لكل ان يتحدث الناس بما يعقلون ولا يتكلمهم بما لا يتصور
لأن البخاري رضي الله عنه اتى هذا الحديث تحت باب "من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ان لايفهموا"
وباقي الحديث"أتحبون أن يكذب الله ورسوله"يدل على هذا المعنى
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/204)
قوله حدثوا بصيغة الأمر أي كلموا الناس بما يعرفون أي بما يفهمون والمراد كلموهم على قدر عقولهم.......
قوله أن يكذب بصيغة المجهول وذلك لأن الشخص إذا سمع ما لا يفهمه وما لا يتصور إمكانه يعتقد استحالته جهلا فلا يصدق وجوده فإذا أسند إلى الله ورسوله يلزم تكذيبهما انتهى.
قال الامام الحافظ رحمه الله في فتح الباري (1/304)
وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره " ودعوا ما ينكرون " أي : يشتبه عليهم فهمه . وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج . وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة . ومثله قول ابن مسعود : " ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "رواه مسلم انتهى.
ورابعا: أن وجوب العربية في الخطبة ثابتة بفعل السلف والخلف. ومع كون الخطبة عربية ينبغي أن تكون مفهومة أي بألفاظ غير غريبة ولا وحشية كما مر وهذا الحديث دليل له كما في بشري الكريم (2/336) وأن تكون مفهومة لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به أكثر الناس قال علي كرم الله وجهه
" حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله" انتهى.
خاتمة: ان ما نفهم مما ذكر أن الخطبة بالعربية واجب ووجوبها ثابت بالأدلة الأربعة
ولا خلاف فيه بين المذاهب الأربعة
والخطبة بغير العربية مخالف للأدلة الأربعة وغير اتباع سبيل المؤمنين
فلذلك أنها بدعة مذمومة حرام
وليس لمدعي ترجمة الخطبة دليل
ودعم امام.
وهم تعلقوا بعبارات كتب الفقه مع أنهم مدعوالاجتهاد ومنكرو التقليد
ولكن ليس في عبارة من العبارات اباحة غير العربية في الخطبة .
نختم هذه الرسالة داعيا لله عز وجل أن يغفر لي ولأساتذي ولوالدي ولأحبائي وأن ينتفع هذه لأهل الدين وأن يلحقنا بالصالحين بجاه سيد المسلمين صلى الله عليه وسلم.